Friday, December 29, 2017

رسالة إلى أبى: "عام جديد بدونك يا أبى"

أبى الحبيب ...

ها هو عامٌ جديد قادم بدونك يا أبي..

عامٌ محمل بالآلام وحرقات الحنين إليك، بعدما توسد جسدك الطاهر الثرى..!

لقد رحلت وتركت بصمة شوق في قلبي لن يمحوها الزمن، ولو شاب رأسي، وأنحنى ظهري، فلا أدري كم من العمر سأحتاج لأستوعب أنك لم تعد معنا ولا بيننا؟!!

فقد كنتُ على أمل يا أبي أن تطيب من وعكتك، وتقوم من فراش المرض.

دموعي الحارقة المنهمرة عليك وأنا لم أرك ولم أستطع توديعك ومرافقتك لموثواك الأخير كانت كفيلة بأن توقظك، لتخفف عني هذه المصيبة، وتصحو من غفوتك لتقول لي لا تبكي يا ابنتي الحبيبة، فأنا بخير.!!

ولكن سرعان ما تبدد الأمل، وأيقنت بأن هذه الغفوة كانت غفوتك الأخيرة.!

فلا زالت يا أبي، صورك التى كانت ترسلها لى أخواتى ومنظر جسدك الراقد على سرير المرض أمام عيني، وخبر وفاتك يطرق أذني، لن أنسى ذاك اليوم، الذي فارقت فيه الحياة، ففارقت السعادة قلبي!!

حتى وإن ضحكت وتحدثت، وخالطت الناس ومارست الحياة، فالحسرة والحزن مازالتا تعتصر قلبي.!

أبي الحبيب..
كم أشعلت برودة الشتاء ورائحة العام الجديد التي كنت تعشقها، أحزاني وجددت لهيب أشواقي لوجهك الأنور، فجعلتني أناجيك وأبحث عنك !! لعلي أسمعك تناديني أو أراك من جديد. واتذكرك ليلة رأس السنة من كل عام ساهرا مستعدا فى محلك مع اصدقاءك وجيرانك حتى الفجر.

والله يا والدي،  ما انفردت لوحدي إلا وتمثلت أمام عيني بكل بهائك، ففاضت عيناي عليك حزنا وألماً وشوقاً وحنينا، وما وضعت رأسي على وسادتي إلا ويمر شريط ذكرياتي معك وأستحضر كل الشواهد والأيام التي خلت، فلا أملك سوى ذرف الدموع وقد تقطع قلبي أسفاً على رحيك يا أغلى البشر..

لقد كنت نعيم حياتي، ومصدر سعادتي، والحضن الدافئ الذي ارتمي فيه عندما تدلهم الحياة، فبجلوسي معك وحديثي إليك تزول عني هموم الدنيا ، ويتسع لي قلبك العامر بالإيمان والحنان ، فأنعم بفيض من الطهارة والأبوة والحب الحقيقي.

ولكن أين أنت الآن.. لقد رحلت يا والدي الأطهر والأجمل والأحنّ، تاركاً وراءك أنفسا أنهكها الشوق والحنين لرؤيتك، وسماع صوتك، وتنفس رائحتك والتمتع بعذب حديثك والنظر إلى وجهك، والتفاؤل بصالح دعائك، والاهتداء بجميل نصحك.

فراقك يا والدي، ألمٌ وفجيعة وحزن لن يشعر بها إلا من عاش الفراق، وتجرع مرارته، فأكثر اللحظات ألماً عندما تقف عاجزاً أمام رحيل من تحب.!

كنت يا أبي لدنيانا كالقمر الذي يطل كل مساء، فيضيء عتمة الليل، ويذكرنا بأن الظلام يعقبه نور، والحياة لازالت تزهو بصنوف من الجمال والشهامة والنبل!

لطالما تمنيت يا والدي، أن يعود بي العمر للوراء، لأعيش معك من جديد وأقبل قدميك، فقد ندمت كثيراً على كل لحظة ضيعتها دون أن أراك، وأنعم بقربك وأفوز ببرّكتك.

تمنيت يا والدي، لو تعود ولو للحظات لأخبرك كم أحبك، وكم أنت غالى في قلبي ، وكم كنت نور الحياة وزينتها، وكم هي الحياة تعيسة في غيابك، وكم هي السعادة ناقصة بدونك.! 

وها أنا اليوم أقف عاجزة عن رد جميلك، نادمة على تقصيري معك في حياتك، فلا أملك الآن شيئا لأصلك به سوى الدعاء لك كلما ذكرتك.

فوالله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلاّ وذكرك مقرونٌ بأنفاسي.

اللهم ارحم ميتاً ما زال في قلبي حيا، اللهم أنزله منازل الشهداء، واجعل مسكنه فردوسك الأعلى، بجوار نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.

وانزل اللهم على قبره الضياء والنور، والفسحة والسرور، اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذٍ فقد رحمته.)

أبى الحبيب ....
إلى أن نلتقى .. كل عام جديد وأنت بقلبى.
إبنتك
إيناس